منهج الرسول الأعظم في إصلاح المجتمع

منهج الرسول الأعظم في إصلاح المجتمع

حينما بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك المجتمع الفاسد بفساد الجاهلية ، المتأخر عن ركب الإنسانية والحضارة ، المنهار من جميع جوانبه ونواحيه ، عزم - صلى الله عليه وآله وسلم - على إصلاح ذلك المجتمع عن طريق إصلاح الأفراد ، لأن الإصلاح ينتشر كما انتشر الفساد ، والهداية تروج كما يروج الضلال

ومن جملة الطرق والوسائل والخطط التي اتخذها وانتخبها النبي الأكرم هي القضاء على العقد النفسية التي تكونت في تلك النفوس على أثر التربية الجاهلية السيئة . وحيث أن أطفال اليوم رجال الغد ، وأن سن الطفولة مبدأ حياة الأنسان ، وتستيقظ في الطفل الغرائز وتنمو بنموه ، فقد قرر الرسول الأعظم الأصول والقواعد العامة لتربية الأطفال ، وألقى المسؤولية على عواتق الآباء الذين أسلموا على يد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وتقبلوا منه أوامره وتعاليمه بكل ترحيب وانقياد ، لأنهم لما آمنوا بالرسول آمنوا بجميع أقواله وأوامره ، ولم يكن لهم أي حافز يدعوهم لتفهم العلة والحكمة في تلك التعاليم

ولم يكتف الرسول الكريم بإصدار التعاليم في شأن الأطفال وتربيتهم ، بل كان - في الوقت نفسه - يصلح كل ما رآه فاسداً من أحوال الناس ساءت تربيتهم منذ عهد الطفولة ، وفقدوا الفضائل الأخلاقية نتيجة تكون العقد النفسية فيهم ، فكان - صلى الله عليه وآله وسلم - يحترم الناس ، وربما فرش رداءه لمن يدخل عليه ، ويتزحزح عن مكانه لمن يجلس عنده بالرغم من سعة المكان ، وكان يسلم على الأطفال ، وكان إذا صافحه أحد الصحابة يترك النبي يده في يده ولا ينزعها من يده حتى يكون الرجل هو الذي ينزعها من يده

وكان - صلى الله عليه وآله وسلم - يقسم نظراته بين أصحابه ، ينظر إلى ذا وإلى ذا بالسوية ، ولا يدع أحداً يمشي معه راجلاً إذا كان الرسول راكباً ، وكان يوقظ الناس من أخطائهم ، ويرشدهم إلى مكارم الأخلاق ، وينهاهم عن كل ما يخل بالشرف والإنسانية والدين ، ويزجرهم عن ارتكاب المنكرات

وكان يأمرهم أن يحترم بعضهم بعضاً ، وأن يكونوا إخواناً متحابين ، وينهاهم عن التحقير والإهانة والسب واللعن والغيبة وأمثالها من الأخلاق الرذيلة

فاستطاع - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يصلح ما تيسر من أفراد ذلك المجتمع ، وخاصة عن طريق إصلاح الأصول التربوية بشأن الأطفال

إن الحالة الأخلاقية والصفات النفسية الموجودة في الإنسان تعتبر من نتائج التربية التي اكتسبها - يوم كان طفلاً - من والديه ، فكلما تعلمه منهما في مرحلة الطفولة من حسن وقبيح ، يظهر عليه في أيام الكِبر

وبعبارة أخرى : إن إتجاهات الإنسان من حيث الروح والأخلاق ، إنما هي وليدة البذور التربوية التي غرست في مداركه أيام الصبا . انطلاقاً من هذا المفهوم إذا أردنا أن نعرف مستقبل رجال الغد ، من ناحية الإعتدال أو الإنحراف ، والنزاهة أو التلوث ، والقوة أو الضعف ، يمكن لنا معرفة ذلك بالتحقيق عن حال أطفال اليوم من حيث التربية والسلوك

إذاً ، فقوة الشخصية وشرف النفس وعزتها ، أو الإنحطاط ودناءة النفس وضعفها في الإنسان ، إنما هي من الأمور التي تأسست فيه من أحضان الوالدين

فيجب على الآباء والأمهات الذين يريدون تكوين وخلق الشخصية في نفوس أولادهم ، أن يهتموا بهذا الموضوع وهذه المفاهيم من أيام طفولة الأولاد ، ومن عهد الصغر

إن الطفل الذي يتربى في البيت حقيراً ، ويعامله الوالدان وكأنه غير إنسان ، ولا يعتبر أنه عضواً محترماً من أعضاء المجتمع . هذا الطفل لا يرجى منه أن تكون له شخصية مستقلة ، لأنه عرف نفسه موجوداً غير لائق ، وأنه شقي في الحياة ، لأنه تربى حقيراً ، ومن الصعب أن يتغير في هذه السجية

إن التربية الصحيحة وتنمية الصفات الحسنة في الطفل ، تتيسر في منهاج علمي وعملي يحيط به الأبوان علماً ، ويسيران وراء الطفل لتطبيق ذلك المنهاج في نفسيته

والبيوتات التي لا تعرف أو تهمل الوظائف التربوية بشأن الطفل ، ويكون مصيرها الفشل وعدم الموفقية

هذا ... ولا يخفى أن المس بكرامة الطفل وتحقيره لا ينحصر بكيفية خاصة أو أسلوب معين من الإهانة ، فكما أن الإحترام يمكن بالقول والفعل ، كذلك التحقير يمكن إيجاده بالقول والفعل أيضاً

إن النقطة الأولى في منهاج القواعد العامة للتربية الصحيحة هو أن يعلم الآباء والأمهات بأن الطفل الذي يعيش معهم ليس بحيوان من نوع الدواجن أو البهائم ، تنحصر حاجته في الماء والطعام فقط ، بل يجب عليهم أن يفطنوا أن الطفل هو إنسان ، ولكنه صغير ضعيف ، وأنه فرد من أفراد البشر وله مواهب وكفاءات وذخائر تبرز إلى الوجود تدريجياً ، وتنتقل من مرحلة القوة إلى مرحلة الفعل . فكل إنسان كاتب بالقوة ، يعني يمكن له أن يتعلم الكتابة بقوته وذهنه ومواهبه ، فإذا تعلم الكتابة فهو كاتب بالفعل

إن الآباء والأمهات الذين يعاملون الأطفال بالعطف والحنان ويفسحون لهم المجال لإظهار طاقاتهم الفطرية ، ولا يواجهونهم بالإستهزاء والسخرية والتحقير ، فإنهم يمهدون الأرضية لأطفالهم كي تنضج أفكارهم ، وتشرف نفسياتهم قبل الأطفال الآخرين

ومن ناحية أخرى ، إن الآباء والأمهات الذين يعاملون أطفالهم بالدكتاتورية والخشونة ، ويحاصرونهم بهالة من الخوف والرعب ، فإن تلك المواهب تتخنق في أطفالهم ، والنضج الفكري عندهم يركد ، كالمشاعر التي تتعطل عن الحركة والعمل ، وبذلك يشعر الطفل بالضعف الروحي وتتكون عنده عقدة الحقارة النفسية

السيد محمد كاظم القزويني    الكاتب

الإسلام والتعاليم التربوية

الصفحة الرئيسية