بين القرآن الحكيم والتوراة

بين القرآن الكريم والتوراة 

نحاول قي هذا الباب أن نجري مقارنة بين شخصية النبي ابراهيم عليه السلام الذي هو في القرآن الكريم وشخصيتة النبي ابراهيم الذي هو في التوارة المحرفة ، فثمة مفارقة كبيرة بين وصف هذه الشخصية الواحدة في كلا الكتابين ، ومن خلال غجراء تلك المفارقة يمكننا معرفة حقيقة الدين اليهودي وطريقة تفكير علماء اليهود وتعاملهم مع الأديان الأخرى لا سيما الدين الإسلامي الحنيف

لا ريب أن لابراهيم عليه السلام مكانة دينية رفيعة في القرآن الكريم ، وفي الكتب السماوية السابقة كالتوراة والانجيل ...

فقد نصبه الله تعالى إماماً للناس جميعاً وأوحى إلى أنبيائه ( بعده ) كافة بإتباع ملة إبراهيم والاهتداء بهديه

وقد استحق ابراهيم تلك الإمامة العامة بعد أن ابتلاه الله بكلمات فأتمهن :

وإذا إبتلى إبراهيمَ ربُهُ بكلماتٍ فأتمهُن َّ قال إني جاعلُلك للناسِ إماماً قال ومن ذريّتي قال لا ينالُ عهدي الظالمين سورة البقرة 124

وكانت الكلمات هي أن امره الله بتبديد ظلام الكفر والوثنية ، حيث أعلن عن التوحيد والعبودية المطلقة لله وحده لا شريك له ، ثم امتحن الله ايمانه بالحرق ، حيث جعلها الله له برداً وسلاماً ، ثم امتحنه بأن جعل أهله في وادٍ غير ذي زرع ، واخيراً امتحنه بذبح ولده في قصة الكبش الشهيرة

وابراهيم عليه السلام لم يرج الإمامة لنفسه فحسب ، وإنما رجاها لبنيه من بعده حتى يكونوا دعاة إلى الله وهداةً لطريقه المستقيم ، لذلك أوصاهم باتباع الاسلام والموت عليه وفي سبيله :

ووصّى بها ابراهيمُ بَنيه ويعقوب يابنيَّ إن اللهَ اصطفى لكمُ الدين فلا تموتُنَّ إلاّ وأنتم مسلمون سورة البقرة 132

ولم يكن ابراهيم عليه السلام قدوة للأنبياء من بعده وإماماً للمؤمنين فقط بل كان أمة مصداقاً للآية الكريمة :

إنّ ابراهيم كان أمة ًّ قانتاً لله حنيفاً سورة النحل 120

فابراهيم عليه السلام إذاً كان إماماً وأُمة ّ لأنه وقف وحده في صف الإيمان ، ووقف الناس جميعاً في صف الكفر

وكان أيضاً أباً للمؤمنين ، ولكل من أسلم وجهه لله ، واتخذ ملته ملة له

وجاهِدوا في اللهِ حقَّ جِهاده هو اجتباكُم وما جَعَلَ عليكم في الدين من حرجٍ ملة أبيكم إبراهيم سورة الحج 78

من هنا ، ونظراً لتلك المكانة الرفيعة التي خص الله بها ابراهيم عليه السلام ، فإن الشرائع والرسالات التي تلت شريعة إبراهيم قد صدقتها حتى أن الكلمات التي نزلت على قلب ابراهيم عليه السلام هي نفس الكلمات المنزلة على من بعده من الأنبياء ، وعلى رأسهم موسى وعيسى ومحمد عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين

من هنا فقد أصبح ابراهيم موضع احترام كل الديانات السماوية حتى امثال البوذية والكنفوسيوشية - باستثناء الالحادية - وذلك لأن أهل الأديان يحترم بعضهم بعضاً ، حالهم حال الأطباء والمهندسين واساتذة الجامعات وأمثالهم

لذلك فإن إتباع الناس للأنبياء الذين تلوا ابراهيم انما هو اتباع ابراهيم وملته ، واجتناب ملته معناه اجتناب كافة الرسل من بعده

قُل صَدَقَ اللهُ فاتبعوا ملةَ ابراهيم حنيفاً سورة آل عمران 95

 

ومَن أحسنُ ديناً ممن أسلمَ وجههُ لله وهو محسنٌ واتَّبعَ ملّة ابراهيمَ حنيفاً واتخذَ اللهُ ابراهيمَ خليلاًسورة النساء 125

 

ومن يرغبُ عن ملّة ابراهيمَ الاّ من سفهَ نفسهُسورة البقرة 130

وتأسيساً لذلك فان رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومن معه مأمورون باتباع المذهب الإبراهيمى الذي هو الإسلام وحجة التوحيد هنا فطرية وعقلية ، وقد أمر الله كافة الأنبياء من بعده باتباعه عليه السلام

ووهَبنا له إسحاق ويعقوبَ ... ومن ذُريِتِه داودَ وسليمانَ وأيّوبَ ويوسفَ وموسى وهارونَ وكذلك نَجزي المحسنين ، وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كلٌ من الصالحين ، وإسماعيل واليسَعَ ويونُسَ ولوطاً .. ذلك هُدى الله يهدي به من يشاء .. أولئك الذين هَدَى اللهُ فبهداهم اقتده

وثمة انبياء آخرون كانوا أيضاً من نسل إبراهيم وذرتيه لكنه لم يرد ذكرهم في هذه الآيات البينات ، حيث ورد في بعض الروايات إن موسى عليه السلام لوحده كان يرافقه سبعون نبياً

أما فلسفة تعدد الأنبياء وبعثهم في زمن واحد ، فلأن البلاد كانت متباعدة ، وكان اللازم أن يكون لكل بلدة نبي يعظ قومه ويدعوهم إلى عبادة الله . ولعل هؤلاء الأنبياء كانوا تلامذة للأنبياء العظام ، وثم تفرقوا في البلاد وانتشروا بين الناس

وعلى كل حال ، فقد كان تطبيق إبراهيم لكلمات الله تاماً وافياً  ( فأتمهن ) وقوله : ( إبراهيم الذي وفّى ) ولهذه الأسباب أمر الله تعالى خاتم رسله ومن معه من المؤمنين باتباع نفس المذهب والتاسي بإبراهيم عليه السلام ومن معه في قوله

يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون اليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق ... لن تنفعكم ارحامكم وأولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعلمون بصير ، قد كانت لكم أسوة حسنة في ابراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لابيه لاتغفرن لك وما أملك لك من الله شيء .. لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر   سورة الممتحنة 1-6

وفي هذا السياق فإن مفهوم العهد يرتبط بمفهوم إمامة إبراهيم عليه السلام ، وعهد الله لابراهيم ولكافة الرسل يعني وجيه ورسالته والكلمة المنزلة لكل منهم وتعليم المؤمنين وتبيين الدين لهم ، كما في قوله تعالى :

ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدوّ مبين ، وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم سورة يس 60-61

وعهد الله إلى ابراهيم وموسى وعيسى يعني وعده ووحيه وتعاليمه في كتبه المنزلة . فمن أهل الكتاب من أوفى بعهد الله واتقاه ، ومنهم من اشترى به ثمناً قليلاً

هذا هو إبراهيم عليه السلام عند المسلمين ، وقد وصفه القرآن الكريم بهذا الوصف الرفيع وعرفه بتلك الخصوصيات الفريدة

أما إبراهيم عليه السلام لدى واضعي التوراة المحرفة فشخصيته أخرى تختلف تماماً عن الأولى . فإمامته وأبوته لا تعني وحيه ورسالته والكلمة المنزلة إليه والدعوة إلى المؤمنين باتباعه 

وعهد الله إليه لايعني رسالته والمسؤولية المتوخاة منها ، إنما هي إمامة وعهد يقضيان بالإستيلاء على أملاك عباد الله ، وسفك دمائهم وانتهاك حرماتهم ، والهيمنة على بلادهم ، وعلوه في الأرض . بينما يقول القرآن الكريم : 

تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولافساداً     سورة القصص 83

وفي التوراة المحرفة أيضاً إفتراء شديد على الله بتجسيده ، وعلى الرسل بإتهامهم بالزنا - والعياذ بالله -  ، وعلى الكتاب بتحريفه وفق أهوائهم . فهم يرون أن ابراهيم النبي أبوهم وحدهم ، والناس من دونهم اُميّون تابعون لهم وتجب عليهم الطاعة والانقياد والتسليم ، لأن الله اختارهم واجتباهم وفضلهم وأذل الناس لهم . فهم - في تصورهم - يرتفعون على سائر الناس بمرتبة أعلى ، ويمتازون عليهم بأنهم سادة والناس خدم لهم 

بهذا المفهوم فإن العهد يساوي عندهم تملك البلاد والعباد وانحصار النبوة بهم ، لا بغيرهم 

وقد بلغ التحريف بالتوراة درجة عظيمة حيث انهم نسبوا إلى ابراهيم عليه السلام الأباطيل والخرافات والسخافات ، وهو منزه عن ذلك ، وشأنه كبير عند الله . وما نسبوه لابراهيم عليه السلام انما هو جاء ليحفظ لهم مصالحهم ويبرر لهم اعتقاداتهم ويضمن اطماعهم الكبرى . فقد ورد في التوراة المحرفة أن الله خاطب ابراهيم عليه السلام بقوله : إناالرب الذي اخرجك من أور الكلدانيين ليعطيك هذه الأرض لترثها .. لنسلك أعطى هذه الأرض من نهر مصر الى النهر الكبير نهر الفرات ، واقيم عهدي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك في اجيالهم عهداً أبدياً لاكون لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك كل أرض كنعان ملكاً أبدياً وأكون إلههم . وقال الله لابراهيم وأما أنت فتحفظ عهدي . أنت ونسلك من بعدك في أجيالهم 

هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك . يختن منكم كل ذكر ، فتختنون في لحم غرلتكم فيكون علامة عهد بيني وبينكم ... 

وأما الذكر الأغلف الذي لا يختن في لحم عزلته فتقطع تلك النفس من شعبها . أنه قد نكث عهدي   المصدر : التكوير 15-16-17

ولم يكن التمييز والطبقية العنصرية في منظارهم بين قوم ابراهيم وغيرهم من الطوائف والشعوب فقط ، بل كان أيضاً في بيت ابراهيم نفسه . 

 

كيف كان ابراهيم عليه السلام - في منظار اليهود والتوراة المحرفة - يفرق ويميز في بيته ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ترقبوا ذلك في التحديث القادم بإذن الله

عودة إلى صفحة العرب وإسرائيل الرئيسية

الصفحة الرئيسية للشبكة